أُكتب
يومياً ثلاث رسائل إلى من تحب , أولها بعد الإفطار وثانيها بعد الغداء وثالثها قبل أن تخلد للنوم ,وسيزول عنك الاكتئاب
تدريجياً . لا يهم أن تكون هذه الرسائل إلكترونية أو تقليدية . المهم أنك تكتبها
وتعيشها . إن كتابة رسائل المحبة والامتنان و التقدير أعظم عقار يقضي على القنوط
ويشيع البهجة . فإذا كان لعقار ((بروزاك)) آثار جانبية قد تؤدي إلى الإصابة بأورام
في المخ لأنها تؤثر في قابلية الجسم على التخلص من الخلايا السرطانية , فإن آثار
كتابة الرسائل الجانبية تنحصر في ورم أصابعك التي ستدمن المراسلة والحب !
أثناء دراستي في الخارج لم يكن هناك شيء
يسعدني ويثلج صدري ويزيل همي ككتابة الرسائل لوالدي ووالدتي وإخواني وزملائي . فرغم
تبادلنا الغزير للاتصالات كنت لا أستطيع أن أقاوم رغبتي في كتابة رسائل لهم أصف فيها شهري المنصرم والمواقف التي
عبرت خلاله بدقة وتأن , وتتعاظم سعادتي عندما أبعثها عبر مكتب البريد و أترقب ردة
فعلهم إزاءها . وعندما أجد وقتاً إضافياً كنت أقوم بقراءة هذه الرسائل وبتسجيلها
على شريط فيديو أو قرص مدمج ليتصفحوها صوتاً وصورة متى أرادوا و أينما أرادوا .
فالماسنجر لا يفي بالغرض , بل يجلب المرض .ولم يعكر صفو تلك السعادة سوى تندر
زملائي الخليجيين عندما يشاهدونني أمسك قلماً وأكتب رسالة . فقد كانوا يوجهون
سهامهم تجاهي ساحرين : (( تكتب رسالة ليه انت شغالة؟!)) .
كانت كلماتهم تخدش روحي في البداية .
لكن مع مرور لوقت صارت لدي مناعة تجاه كل الاصوات المناوئة لكل ما يثير فرحي ويخمد
ترحي . استمريت في كتابة الرسائل حتى عندما عدت إلى المملكة وذلك بأشكال وصور
متعددة . عبر البريد الإلكتروني , والجوال , وعبر الابتسامة فوجدتني أتجاوز الكثير من الهموم بأقل كم من الخسائر , بل دون
خسائر .
فكتابة الرسائل لا تمنحي شعوراً
فريداً بالسعادة والمتعة فحسب , بل تجعلني أكثر قرباً ممن احب , أكثر وفاء لمن احب
. تكسر الجليد وتحطم الحديد . فخلال لقائي السريع بزملائي في العمل لا أستطيع أن
أعبر له عما أكُن له في داخلي من مشاعر , وما احتفظ له في نفسي من تقدير . في
المقابل أستطيع أن احتضنه وأشكره , وامتدحه شعراً ونثراً حتى أشبع في رسالة دون أن
يقاطعني أو تقاطعني مكالمة أو مهمة عملية
.
في مكان عام لا تستطيع أن تشكر م
أسدى لك معروفاًكما ينبغي , لكن في رسالة خاصة تستطيع أن تضخَّ فيها ما تشاء , كما
تشاء , حتى تشاء .
كتابة الرسائل تعزز روح العطاء لدى البشر
وحتى الحجر , تعزز المحبة و المودة , تؤلف الأفئدة و الأفكار , تقرب المسافات و
تهدم الحواجز .
اكتبوا بأصابعكم وأفواهكم ووجوهكم وقلوبكم
وشرايينكم ودمائكم . وقاطعوا ((البروزاك )) والاكتئاب و التردد والكسل و الخجل .
جربوا أن تفشوا مشاعركم وأحاسيسكم
وانطباعاتكم وأحلامكم وهمومكم مباشرة . لا تدّخروا شيئاً إلى الغد .
من كتاب كِخّه يَا بَابَا عبدالله المغلوث دار مدارك للنشر الطبعة 50
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق