الجمعة، 20 سبتمبر 2013

أكتبوا تصحوا

أُكتب يومياً ثلاث رسائل إلى من تحب , أولها بعد الإفطار وثانيها بعد الغداء وثالثها قبل أن تخلد للنوم ,وسيزول عنك الاكتئاب تدريجياً . لا يهم أن تكون هذه الرسائل إلكترونية أو تقليدية . المهم أنك تكتبها وتعيشها . إن كتابة رسائل المحبة والامتنان و التقدير أعظم عقار يقضي على القنوط ويشيع البهجة . فإذا كان لعقار ((بروزاك)) آثار جانبية قد تؤدي إلى الإصابة بأورام في المخ لأنها تؤثر في قابلية الجسم على التخلص من الخلايا السرطانية , فإن آثار كتابة الرسائل الجانبية تنحصر في ورم أصابعك التي ستدمن المراسلة والحب !

       أثناء دراستي في الخارج لم يكن هناك شيء يسعدني ويثلج صدري ويزيل همي ككتابة الرسائل لوالدي ووالدتي وإخواني وزملائي . فرغم تبادلنا الغزير للاتصالات كنت لا أستطيع أن أقاوم رغبتي في كتابة  رسائل لهم أصف فيها شهري المنصرم والمواقف التي عبرت خلاله بدقة وتأن , وتتعاظم سعادتي عندما أبعثها عبر مكتب البريد و أترقب ردة فعلهم إزاءها . وعندما أجد وقتاً إضافياً كنت أقوم بقراءة هذه الرسائل وبتسجيلها على شريط فيديو أو قرص مدمج ليتصفحوها صوتاً وصورة متى أرادوا و أينما أرادوا . فالماسنجر لا يفي بالغرض , بل يجلب المرض .ولم يعكر صفو تلك السعادة سوى تندر زملائي الخليجيين عندما يشاهدونني أمسك قلماً وأكتب رسالة . فقد كانوا يوجهون سهامهم تجاهي ساحرين : (( تكتب رسالة ليه انت شغالة؟!)) .

         كانت كلماتهم تخدش روحي في البداية . لكن مع مرور لوقت صارت لدي مناعة تجاه كل الاصوات المناوئة لكل ما يثير فرحي ويخمد ترحي . استمريت في كتابة الرسائل حتى عندما عدت إلى المملكة وذلك بأشكال وصور متعددة . عبر البريد الإلكتروني , والجوال , وعبر الابتسامة  فوجدتني أتجاوز  الكثير من الهموم بأقل كم من الخسائر , بل دون خسائر .

           فكتابة الرسائل لا تمنحي شعوراً فريداً بالسعادة والمتعة فحسب , بل تجعلني أكثر قرباً ممن احب , أكثر وفاء لمن احب . تكسر الجليد وتحطم الحديد . فخلال لقائي السريع بزملائي في العمل لا أستطيع أن أعبر له عما أكُن له في داخلي من مشاعر , وما احتفظ له في نفسي من تقدير . في المقابل أستطيع أن احتضنه وأشكره , وامتدحه شعراً ونثراً حتى أشبع في رسالة دون أن يقاطعني أو تقاطعني مكالمة  أو مهمة عملية .

             في مكان عام لا تستطيع أن تشكر م أسدى لك معروفاًكما ينبغي , لكن في رسالة خاصة تستطيع أن تضخَّ فيها ما تشاء , كما تشاء , حتى تشاء .

        كتابة الرسائل تعزز روح العطاء لدى البشر وحتى الحجر , تعزز المحبة و المودة , تؤلف الأفئدة و الأفكار , تقرب المسافات و تهدم الحواجز .

      اكتبوا بأصابعكم وأفواهكم ووجوهكم وقلوبكم وشرايينكم ودمائكم . وقاطعوا ((البروزاك )) والاكتئاب و التردد والكسل و الخجل .

    جربوا أن تفشوا مشاعركم وأحاسيسكم وانطباعاتكم وأحلامكم وهمومكم مباشرة . لا تدّخروا شيئاً إلى الغد .





        من كتاب كِخّه يَا بَابَا               عبدالله المغلوث        دار مدارك للنشر     الطبعة 50   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق