شاركت مع ثلاثة
سعوديين في ماراثون للدرجات الهوائية في 26 سبتمبر الماضي في لندن . تساقطنا
الواحد تلو الآخر . كنت أول المنسحبين من السباق بعد مضي نحو ساعتين. تلاني آخر
بعد أقل من 5 دقائق . ثالثا صمد ربع ساعة أخرى فبل ان يلحقنا بالسقوط . أصبنا
بخيبة أمل كبيرة بعد أن شاهدنا متسابقين في أعمار أجدادنا وجداتنا يواصلون السباق
, في حين لم نستطع أن نكمل ربعه . اكتشفنا حقاً أن الشيخوخة ليست في الأعمار بل في
العقول . مئات من مختلف الأعمار والجنسيات والمشارب و الأحجام تابعوا الماراثون لساعات تعلوهم سعادة بالغة ,
في حين غمرتنا علامات الإعياء و الإرهاق فور أن امتطينا صهوة دراجاتنا . خرجنا من
السباق ونحن عاجزون عن القيام بأي شيء سوى التذمر و الرغبة في الاسترخاء . أو
بمعنى أدق العودة إلى الاسترخاء و الخمول الذي نبرع فيه نحن العرب أكثر من غيرنا . فنحن نعجز أن نقف في
الطوابير ما طال منها وما قصر , ونبحث بأي وسيلة عن طريقة تخلصنا منها . عن طريق
واسطة قربي او نسيب او حبيب . المهم أن نتخلص منها . سياراتنا يجب ان تقف أمام
الدوائر الحكومية التي نراجعها , او امام البوابات الرئيسة للمجمعات التجارية . لا
يمكن أن نقبل أن نتركها بعيداً ونمشي مسافة قصيرة . وإذا لم نجد مكاناً قريباً
لمركباتنا فلا بأس أن نسطو على مواقف ذوي الاحتياجات الخاصة . هل شاهدتم في حياتكم
أحداً حصل على مخالفة مرورية في وطننا لانه أوقف سيارته في مواقف مخصصة لذوي
الاحتياجات الخاصة ؟
إننا لا نصعد السلالم بل نفضل المصاعد
الكهربائية حتى لو كان هدفنا الطابق الثاني . في العمارة المكونة من أربعة أدوار
التي أسكنها في بريطانيا تعطل المصعد لمدة أسبوع دون أن يصلحه أحد . عندما هاتفت
إدارة العمارة أخبروني أنني الوحيد الذي أبلغ عن العطل جاء الفني فوراً لإصلاحه .
شعرت لوهلة أنني أكسل شخص في بريطانيا فالحياة لم تتعطل في العمارة لأن المصعد لا
يعمل . تعطلت في دخلي فقط . هناك سلالم . هي خيارهم الأول بينما المصعد هو خيارنا
الاول . نحن نبحث عن أي شيء يقلنا بسرعة إلى أهدافنا دون نستشعر قيمة الصعود خطوة
خطوة . إنه شعور عظيم .
النجاح الذي يحصده الغرب و الشرق من حولنا نتيجة طبيعية
لطبيعة حياة الفرد هناك . فهم يصعدون السلالم , ويمشون باستمرار , ويقضون حوائجهم
بأنفسهم مهما كان حجم انشغالهم , ومهما بلغت ثرواتهم . نحن لا نقوم بذلك . نستقدم
من يقوم بإعداد الشاي و القهوة لنا . نستقدم من يعِّبئ سياراتنا بالوقود . ستقدم
من يقوم بالعناية بأطفالنا . فمن الطبيعي جداً ألا نستطيع مجاراتهم في ماراثون أو
أي سباق آخر سواء كان رياضياً أو علمياً أو ثقافياً أو فكرياً , فقد تبلّدت
عضلاتنا وأعصابنا وعقولنا من قلة الاستعمال .
معظمنا يفتقر للّياقة المطلوبة لحصد
الإنجازات , فنبدو كهولاً منذ نعومة أظفارنا . تجاعيدنا لا تبدو في وجوهنا و
أطرافنا , لكن تبدو في أعماقنا وفي سلوكياتنا وتصرفاتنا , في ردود أفعالنا البطيئة
, البطيئة جداً .
نحن نولد شيوخاً محشوين بعادات تجعلنا أقرب إلى
الموت منه إلى الحياة . يقو الفيلسوف الإنجليزي فرنسيس بيكون (( تكمن
الشيخوخة في الروح أكثر مما تكمن في الجسد )) . حين تتحرر أروحنا من عاداتنا
السلبية ربما نستطيع أن نعود شباباً .
لا يجب أن نفرح كثيراً كون الشباب يشكلون الشريحة الأكبر في مجتمعاتنا ,
فهؤلاء الشباب ليسوا شباباً كما نعتقد . إنهم كهول يرتدون أقنعة . إن الشباب هناك
, في أمريكا وأوروبا وشرق آسيا يعملون حتى آخر لحظة , يمشون حتى آخر لحظة . يضحكون
حتى آخر لحظة . جاري البريطاني , باول هاركير (82 عاماً ) , امتهن بعد أن تقاعد عن
التدريس مساعدة الأطفال على عبور خطوط المشاة أثناء توجههم إلى مدارسهم . أجده في
تمام الساعة الثامنة و النصف ويبقى حتى التاسعة والنصف على رأس الشارع , يحمل
لافتة (( قف)) ومرتدياً سترة صفراء لامعة , يوقف السيارات بابتسامة , ويعبر مع
الأطفال برشاقة ساحرة . كم من شبابنا وليس (( شيابنا )) يقوم بهذه الوظيفة العظيمة
؟
يقال إن الشباب هم عماد الأمة . اكتشفنا
الأمة , لكن لم نجد الشباب . فلنعثر عليهم معاً !
من كتاب كِخّه يَا بَابَا عبدالله المغلوث دار مدارك للنشر الطبعة 50
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق