الجمعة، 20 سبتمبر 2013

أكسل شعوب الأرض

شاركت مع ثلاثة سعوديين في ماراثون للدرجات الهوائية في 26 سبتمبر الماضي في لندن . تساقطنا الواحد تلو الآخر . كنت أول المنسحبين من السباق بعد مضي نحو ساعتين. تلاني آخر بعد أقل من 5 دقائق . ثالثا صمد ربع ساعة أخرى فبل ان يلحقنا بالسقوط . أصبنا بخيبة أمل كبيرة بعد أن شاهدنا متسابقين في أعمار أجدادنا وجداتنا يواصلون السباق , في حين لم نستطع أن نكمل ربعه . اكتشفنا حقاً أن الشيخوخة ليست في الأعمار بل في العقول . مئات من مختلف الأعمار والجنسيات والمشارب و الأحجام  تابعوا الماراثون لساعات تعلوهم سعادة بالغة , في حين غمرتنا علامات الإعياء و الإرهاق فور أن امتطينا صهوة دراجاتنا . خرجنا من السباق ونحن عاجزون عن القيام بأي شيء سوى التذمر و الرغبة في الاسترخاء . أو بمعنى أدق العودة إلى الاسترخاء و الخمول الذي نبرع فيه  نحن العرب أكثر من غيرنا . فنحن نعجز أن نقف في الطوابير ما طال منها وما قصر , ونبحث بأي وسيلة عن طريقة تخلصنا منها . عن طريق واسطة قربي او نسيب او حبيب . المهم أن نتخلص منها . سياراتنا يجب ان تقف أمام الدوائر الحكومية التي نراجعها , او امام البوابات الرئيسة للمجمعات التجارية . لا يمكن أن نقبل أن نتركها بعيداً ونمشي مسافة قصيرة . وإذا لم نجد مكاناً قريباً لمركباتنا فلا بأس أن نسطو على مواقف ذوي الاحتياجات الخاصة . هل شاهدتم في حياتكم أحداً حصل على مخالفة مرورية في وطننا لانه أوقف سيارته في مواقف مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة ؟

        إننا لا نصعد السلالم بل نفضل المصاعد الكهربائية حتى لو كان هدفنا الطابق الثاني . في العمارة المكونة من أربعة أدوار التي أسكنها في بريطانيا تعطل المصعد لمدة أسبوع دون أن يصلحه أحد . عندما هاتفت إدارة العمارة أخبروني أنني الوحيد الذي أبلغ عن العطل جاء الفني فوراً لإصلاحه . شعرت لوهلة أنني أكسل شخص في بريطانيا فالحياة لم تتعطل في العمارة لأن المصعد لا يعمل . تعطلت في دخلي فقط . هناك سلالم . هي خيارهم الأول بينما المصعد هو خيارنا الاول . نحن نبحث عن أي شيء يقلنا بسرعة إلى أهدافنا دون نستشعر قيمة الصعود خطوة خطوة . إنه شعور عظيم .
 
         النجاح  الذي يحصده الغرب و الشرق من حولنا نتيجة طبيعية لطبيعة حياة الفرد هناك . فهم يصعدون السلالم , ويمشون باستمرار , ويقضون حوائجهم بأنفسهم مهما كان حجم انشغالهم , ومهما بلغت ثرواتهم . نحن لا نقوم بذلك . نستقدم من يقوم بإعداد الشاي و القهوة لنا . نستقدم من يعِّبئ سياراتنا بالوقود . ستقدم من يقوم بالعناية بأطفالنا . فمن الطبيعي جداً ألا نستطيع مجاراتهم في ماراثون أو أي سباق آخر سواء كان رياضياً أو علمياً أو ثقافياً أو فكرياً , فقد تبلّدت عضلاتنا وأعصابنا وعقولنا من قلة الاستعمال .

          معظمنا يفتقر للّياقة المطلوبة لحصد الإنجازات , فنبدو كهولاً منذ نعومة أظفارنا . تجاعيدنا لا تبدو في وجوهنا و أطرافنا , لكن تبدو في أعماقنا وفي سلوكياتنا وتصرفاتنا , في ردود أفعالنا البطيئة , البطيئة جداً .

       نحن نولد شيوخاً محشوين بعادات تجعلنا أقرب إلى الموت منه إلى الحياة . يقو الفيلسوف الإنجليزي فرنسيس بيكون (( تكمن الشيخوخة في الروح أكثر مما تكمن في الجسد )) . حين تتحرر أروحنا من عاداتنا السلبية ربما نستطيع أن نعود شباباً .

     لا يجب أن نفرح كثيراً كون  الشباب يشكلون الشريحة الأكبر في مجتمعاتنا , فهؤلاء الشباب ليسوا شباباً كما نعتقد . إنهم كهول يرتدون أقنعة . إن الشباب هناك , في أمريكا وأوروبا وشرق آسيا يعملون حتى آخر لحظة , يمشون حتى آخر لحظة . يضحكون حتى آخر لحظة . جاري البريطاني , باول هاركير (82 عاماً ) , امتهن بعد أن تقاعد عن التدريس مساعدة الأطفال على عبور خطوط المشاة أثناء توجههم إلى مدارسهم . أجده في تمام الساعة الثامنة و النصف ويبقى حتى التاسعة والنصف على رأس الشارع , يحمل لافتة (( قف)) ومرتدياً سترة صفراء لامعة , يوقف السيارات بابتسامة , ويعبر مع الأطفال برشاقة ساحرة . كم من شبابنا وليس (( شيابنا )) يقوم بهذه الوظيفة العظيمة ؟

           يقال إن الشباب هم عماد الأمة . اكتشفنا الأمة , لكن لم نجد الشباب . فلنعثر عليهم معاً !





  من كتاب كِخّه يَا بَابَا               عبدالله المغلوث        دار مدارك للنشر     الطبعة 50   
  

       


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق