الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

جرّب أن تصبح سعيداً


لم أشعر بسعادة منذ زمن طويل كما شعرت بها عندما هاتفت والد صديقي . شعرت بسعادة هائلة اجتاحتني فور أ تحدثت معه . مكالمة قصيرة جداً لم تتجاوز دقيقتين عّبرت فيها عن أمتناني له ولابنه ، أحالت يومي إلى كرنفال بهجة . ثمة أشياء صغيرة  للغاية بوسعها أن تزرع حقول الفرح في صدرك . الدكتور بول جرينجارد , الحائز على جائزة نوبل في الطب عام 2000 , أحرز العديد من الانتصارات البحثية بعد رسائل كتبها لطهاة وسائقين وأم لم يلتقها . فجرينجارد الذي ماتت أمه أثناء وضعه , لا يفوز بالسعادة وصفاء الذهن إلا عندما يشعل ابتسامة شخص ولو عن بعد . هذه الرسائل الصغيرة التي يكتبها , عالم الأمريكي الشهير , والتي لا تزيد عن جملتين وأحيانا  كلمتين كان لها أثر كبير في تجليه ونجاحه العملي و الاجتماعي . يعتقد بول أن السعادة الأبدية لا تأتي عن طريق الجوائر و المال . فهي تخفت مع مرور الأيام . فتحصد الفرح في قلبك وغيرك . يقول الشاعر الألماني راينر ريكله : (( السعادة شعور مذهل يملؤك عندما تدخل السرور إلى قلوب الآخرين )) . إنني لا يمكن أن أصف لكم حجم هذه السعادة التي تنتشر في الخلايا بسخاء إثر رسالة تكتبونها أو مكالمة قصيرة تجرونها إلا عندما تجربون بأنفسكم . بعضكم سيطير وبفضكم الآخر سيسبح في الفضاء لا حد له من السرور والحبور .

        إدخال السعادة إلى القلوب عبر رسائل ومكالمات امتنان مفاجئة هي إحدى الوسائل . لكن ليست كلها . الباحث المكسيكي , ماريو مولينا , الحائز على نوبل في الكيمياء عام 1995 , لديه مبادرة مبتكرة في إسعاد الآخرين .فقد كان يقوم أسبوعياً بتحضير الطعام لفنيي الصيانة في المختبر الذي كان يعمل فيه في جامعة كاليفورنيا – بركلي . فرغم انشغاله الكبير إلا أن إعداد الطعام لهؤلاء الفنيين كان يشكل له ((متعة لا تضاهيها متعة )) . ويؤكد الدكتور مولينا دوماً أن السعادة الكبيرة التي سكنت روحه و أصابعه و أبحاثه .

       جربوا أن تفاجئوا حارس أمن بوجبة منزلية طازجة أو عصير بارد كيف ستكون رده فعله ؟ كيف سيكون حجم ابتسامته ؟ إنها مبادرة ستترك أثراً عميقاً ليس في نفسه فحسب بل في نفوسكم . ستبدد أي حزن في داخلكم و ستفتح شهيتكم للأمل .
    
            إن السعادة تعيش بجوارنا , جوارا تماماً . لكننا لا نشعر بها , بل نركلها دنت نحونا . ألم يقل قاسم أمين : (( السعادة كرة نركلها بأقدامنا عندما نقترب منها . وعدو وراءها عندما تبتعد عنا )) ؟
     علينا أن نتحرر من الأفكار التقليدية التي تختصر السعادة في السفر و الطعام . أو في ألعاب الفيديو ومشاهدة الأفلام . هناك سعادة عظيمة نستطيع أن نقتنيها بجرة قلم أو باتصال سريع . سعادة في متناولنا .
      
           كم واحداً منا جرب أن يفتش عن رقم أستاذه المفضل الذي درسه في المرحلة الابتدائية أو حتى الجامعية  ؛ ليهاتفه ويشكره على جهده ونبله؟ كم واحداً منا حاول أن يتوقف أمام دور رعاية المسنين وفي يده كتب ممتعة وشيقة يوزعها على نزلائها ؟ يقول سقراط (( أعمل لسعادتي إذا علمت لسعادة الآخرين )) . إن السعادة الحقيقية ليست في الأخذ بل في العطاء . فلنعمل على تكريس هذا المضمون لننعم بالارتياح و السكينة .

      كلموا آباء أصدقائكم على حين غِرّة . عدّدوا على مسامعهم مناقب أبنائهم التي ورثوها منهم لتعانقوا سعادة لا تُحدّ ولا تُجارى .
             
               اكتبوا لمن تحبون قبل أن تخلدوا إلى  النوم . وتذكروا أن رسالتكم لن تغفو معكم . ستظل مستيقظة , مستيقظة إلى الأبد .

  


 من كتاب كِخّه يَا بَابَا               عبدالله المغلوث        دار مدارك للنشر     الطبعة 50

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق