لم أشعر
بسعادة منذ زمن طويل كما شعرت بها عندما هاتفت والد صديقي . شعرت بسعادة هائلة
اجتاحتني فور أ تحدثت معه . مكالمة قصيرة جداً لم تتجاوز دقيقتين عّبرت فيها عن
أمتناني له ولابنه ، أحالت يومي إلى كرنفال بهجة . ثمة أشياء صغيرة للغاية
بوسعها أن تزرع حقول الفرح في صدرك . الدكتور بول جرينجارد , الحائز على جائزة
نوبل في الطب عام 2000 , أحرز العديد من الانتصارات البحثية بعد رسائل كتبها لطهاة وسائقين وأم لم يلتقها . فجرينجارد
الذي ماتت أمه أثناء وضعه , لا يفوز بالسعادة وصفاء الذهن إلا عندما يشعل ابتسامة
شخص ولو عن بعد . هذه الرسائل الصغيرة التي يكتبها , عالم الأمريكي الشهير , والتي
لا تزيد عن جملتين وأحيانا كلمتين كان لها
أثر كبير في تجليه ونجاحه العملي و الاجتماعي . يعتقد بول أن السعادة الأبدية لا
تأتي عن طريق الجوائر و المال . فهي تخفت مع مرور الأيام . فتحصد الفرح في قلبك
وغيرك . يقول الشاعر الألماني راينر ريكله : (( السعادة شعور مذهل يملؤك عندما
تدخل السرور إلى قلوب الآخرين )) . إنني لا يمكن أن أصف لكم حجم هذه السعادة التي
تنتشر في الخلايا بسخاء إثر رسالة تكتبونها أو مكالمة قصيرة تجرونها إلا عندما
تجربون بأنفسكم . بعضكم سيطير وبفضكم الآخر سيسبح في الفضاء لا حد له من السرور
والحبور .
إدخال السعادة إلى القلوب عبر رسائل ومكالمات
امتنان مفاجئة هي إحدى الوسائل . لكن ليست كلها . الباحث المكسيكي , ماريو مولينا
, الحائز على نوبل في الكيمياء عام 1995 , لديه مبادرة مبتكرة في إسعاد الآخرين
.فقد كان يقوم أسبوعياً بتحضير الطعام لفنيي الصيانة في المختبر الذي كان يعمل فيه
في جامعة كاليفورنيا – بركلي . فرغم انشغاله الكبير إلا أن إعداد الطعام لهؤلاء
الفنيين كان يشكل له ((متعة لا تضاهيها متعة )) . ويؤكد الدكتور مولينا دوماً أن
السعادة الكبيرة التي سكنت روحه و أصابعه و أبحاثه .
جربوا أن تفاجئوا حارس أمن بوجبة منزلية
طازجة أو عصير بارد كيف ستكون رده فعله ؟ كيف سيكون حجم ابتسامته ؟ إنها مبادرة
ستترك أثراً عميقاً ليس في نفسه فحسب بل في نفوسكم . ستبدد أي حزن في داخلكم و
ستفتح شهيتكم للأمل .
إن السعادة تعيش بجوارنا , جوارا تماماً .
لكننا لا نشعر بها , بل نركلها دنت نحونا . ألم يقل قاسم أمين : (( السعادة كرة
نركلها بأقدامنا عندما نقترب منها . وعدو وراءها عندما تبتعد عنا )) ؟
علينا أن نتحرر من الأفكار التقليدية التي
تختصر السعادة في السفر و الطعام . أو في ألعاب الفيديو ومشاهدة الأفلام . هناك
سعادة عظيمة نستطيع أن نقتنيها بجرة قلم أو باتصال سريع . سعادة في متناولنا .
كم واحداً منا جرب أن يفتش عن رقم أستاذه
المفضل الذي درسه في المرحلة الابتدائية أو حتى الجامعية ؛ ليهاتفه ويشكره على جهده ونبله؟ كم واحداً منا
حاول أن يتوقف أمام دور رعاية المسنين وفي يده كتب ممتعة وشيقة يوزعها على نزلائها
؟ يقول سقراط (( أعمل لسعادتي إذا علمت لسعادة الآخرين )) . إن السعادة الحقيقية
ليست في الأخذ بل في العطاء . فلنعمل على تكريس هذا المضمون لننعم بالارتياح و
السكينة .
كلموا آباء أصدقائكم على حين غِرّة .
عدّدوا على مسامعهم مناقب أبنائهم التي ورثوها منهم لتعانقوا سعادة لا تُحدّ ولا
تُجارى .
اكتبوا لمن تحبون قبل أن تخلدوا إلى النوم . وتذكروا أن رسالتكم لن تغفو معكم . ستظل مستيقظة , مستيقظة إلى الأبد .
اكتبوا لمن تحبون قبل أن تخلدوا إلى النوم . وتذكروا أن رسالتكم لن تغفو معكم . ستظل مستيقظة , مستيقظة إلى الأبد .
من كتاب كِخّه يَا بَابَا عبدالله المغلوث دار مدارك للنشر الطبعة
50
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق